والمقصود: أنه لما أضافه وأكرم مثواه، وقص عليه ما كان من أمره بشره بأنه قد نجا، فعند ذلك قالت: إحدى البنتين لأبيها: (يا أبت استأجره) أي: لرعي غنمك، ثم مدحته بأنه قوي أمين. قال عمر وابن عباس وشريح القاضي وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد لما قالت ذلك، قال لها أبوها: وما علمك بهذا؟ فقالت: إنه رفع صخرة لا يطيق رفعها إلا عشرة. وإنه لما جئت معه تقدمت أمامه، فقال: كوني من ورائي، فإذا اختلف الطريق فاحذفي لي بحصاه أعلم بها كيف الطريق.
(قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج، فإذا أتممت عشراً فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين). ثم قال تعالى: (ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل)، يقول: إن موسى قال لصهره: الأمر على ما قلت، فأيهما قضيت فلا عدوان على والله على مقالتنا سامع وشاهد، ووكيل علي وعليك، ومع هذا فلم يقض إلا أكمل الأجلين وأتمهما وهو العشر سنين كوامل تامة.
فلما أراد فراق شعيب سأل امرأته أن تسأل أباها أن يعطيها من غنمه ما يعيشون به، فأعطاها ما ولدت غنمه، من ما له لون من ولد ذلك العام، وكانت غنمه سوداء حساناً، فانطلق موسى عليه السلام إلي عصا قسمها من طرفها ثم وضعها في أدنى الحوض، ثم أوردها فسقاها. قالوا: واتفق ذلك في ليلة مظلمة باردة، وتاهوا في طريقهم فلم يهتدوا إلي السلوك في الدرب المألوف، وجعل يوري زناده فلا يوري شيئاً، واشتد الظلام والبرد.
فبينما هو كذلك إذ أبصر عن بعد ناراً تأجج في جانب الطور ـ وهو الجبل الغربي منه عن يمينه ـ (فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً) وكأنه، والله أعلم، رآها دونهم؛ لأن هذه النار هي نور الحقيقة، ولا يصلح رؤيتها لكل أحد، (لعلى آتيكم منها بخير) أي: لعلى استعلم من عندها عن الطريق (أو جذوة من النار لعلكم تصطلون) فدل على أنهم كانوا قد تاهوا عن الطريق في ليلة باردة ومظلمة. لقوله: في الآية الأخرى:
{وهل أتاك حديث موسى * إذا رأى ناراً فقال لأهله امكثوا إني آنست ناراً لعلى آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى} (سورة طه:9ـ10)
فدل على وجود الظلام وكونهم تاهوا عن الطريق، وجمع الكل في قوله في النمل:
{إذ قال موسى لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون} (سورة النمل:7)
وقد أتاهم منها بخبر وأي خبر، ووجد عندها هدى وأي هدى، واقتبس منها نوراً وأي نور؟!. قال الله تعالى:
{فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين}
أي: أنا رب العالمين الذي لا إله إلا هو، الذي لا تصلح العبادة وإقامة الصلاة إلا له. ثم أخبره أن هذه الدنيا ليست بدار قرار، وإنما الدار الباقية يوم القيامة، التي لابد من كونها ووجودها (لتجزي كل نفس بما تسعى) أي: من خير وشر، وحضه وحثه على العمل لها ومجانبة من لا يؤمن بها ممن عصى مولاه واتبع هواه، ثم قال مخاطباً ومؤانساً ومبيناً له أنه القادر على كل شيء، الذي يقول للشيء كن فيكون:
{وما تلك بيمينك يا موسى} (سورة طه:17)
أي: أما هذه عصاك التي تعرفها منذ صحبتها
{قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى} (سورة طه:18)
أي: بلى هذه عصاي التي أعرفها وأتحققها،
{قال ألقها يا موسى * فألقاها فإذا هي حية تسعى} (سورة طه:19ـ20)
فلما رجع أمره الله تعالى أن يمسكها (قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) فيقال: إنه هابطها شديداً، فوضع يده في كم مدرعته، ثم وضع يده في وسط فمها. وعند أهل الكتاب: أمسك بذنبها، فلما استمكن منها إذا هي قد عادت كما كانت عصاً ذات شعبتين، فسبحان القدير العظيم، رب المشرقين والمغربين!. ثم أمره تعالى بإدخال يده في جيبه، ثم أمره بنزعها فإذا هي تتلألأ كالقمر بياضاً من غير سوء، أي: من غير برص ولا بهق، ولهذا قال:
{اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم يدك إلي جناحك من الرهب} (سورة القصص:32)
قيل معناه: إذا خفت فضع يدك على فؤادك يسكن جأشك. والمقصود أن الله سبحانه وتعالى لما أمر موسى عليه السلام بالذهاب إلي فرعون
{قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون * وأخي هارون هو أفصح مني لساناً فأرسله معي ردءاً يصدقني، إني أخاف أن يكذبون * قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون} (سورة القصص:33ـ35)
قال الله تعالى مجيباً إلي سؤاله: (سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً) أي: برهاناً (فلا يصلون إليكما) أي: فلا ينالون منكما مكروهاً بسبب قيامكما بآياتنا، وقيل ببركة آياتنا (أنتما ومن اتبعكما الغالبون).
وقال في سورة طه:
{اذهب إلي فرعون إنه طغى * قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * وأحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي} (سورة طه:24ـ28)
قيل: إنه أصابه في لسانه لثغة، بسبب تلك الجمرة التي وضعها على لسانه، والتي كان فرعون أراد اختبار عقله، حين أخذ بلحيته وهو صغير، فهم بقتله، فخافت عليه آسية، وقالت: إنه طفل، فاختبره بوضع تمرة وجمرة بين يديه فهم بأخذ التمرة فصرف الملك يده إلي الجمرة، فأخذها فوضعها على لسانه فأصابه لثغة بسببها؛ فسأل زوال بعضها بمقدار ما يفهمون قوله: ولم يسأل زوالها بالكلية.
فأتياه فقالا له ذلك، وبلغاه ما أرسلا به من دعوته إلي عباد الله تعالى وحده لا شريك لك، وأنه يفك أسارى بني إسرائيل من قبضته وقهره وسطوته، ويتركهم يعبدون ربهم حيث شاءوا، ويتفرغون لتوحيده ودعائه والتضرع لديه. فتكبر فرعون في نفسه وعتا وطغى، ونظر إلي موسى بعين الازدراء والتنقص قائلاً له: (ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين؟) أي: أما أنت الذي ربيناه في منزلنا، وأحسنا إليه، وأنعمنا عليه مدة من الدهر؟.
وقوله:
{وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين} (سورة الشعراء:19)
أي: وقتلت الرجل القبطي، وفررت منا، وجحدت نعمتنا.
{قال فعلتها إذا وأنا من الضالين} (سورة الشعراء:20)
أي: قبل أن يوحي إلي وينزل على
{فقررت منكم لما خفتكم فوهب لي ربي حكماً وجعلني من المرسلين} (سورة الشعراء:21)
ثم قال مجيباً لفرعون عما امتن به من التربية والإحسان إليه:
{وتلك النعمة تمنها على أن عبدت بني إسرائيل} (سورة الشعراء:22)
أي: وهذه النعمة التي ذكرت؛ من أنك أحسنت إلي وأنا رجل واحد من بني إسرائيل تقابل ما استخدمت هذا الشعب العظيم بكماله، واستعبدتهم في أعمالك وخدمتك وأشغالك.
{قال فرعون وما رب العالمين * قال رب السماوات والأرض وما بينهما، إن كنتم موقنين * قال لمن حوله ألا تستمعون * قال ربكم ورب آبائكم الأولين * قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون * قال رب المشرق والمغرب وما بينهما، إن كنتم تعقلون} (سورة القصص:21ـ24)
فلما قامت الحجج على فرعون، وانقطعت شبهه، ولم يبق له قول سوى العناد، عدل إلي استعمال سلطانه وجاهه وسطوته.
{قال لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين * قال أو لو جئتك بشيء مبين * فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين * ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين} (سورة الشعراء:29ـ33)
وهذان هما الرهانان اللذان أيده الله بهما، وهما العصا واليد، وذلك مقام أظهر فيه الخارق العظيم، الذي بهر العقول والأبصار، حين ألقى عصاه، فإذا هي ثعبان مبين، أي: عظيم الشكل، بديع في الضخامة والهول، والمنظر العظيم الفظيع الباهر، حتى قيل: إن فرعون لما شاهد ذلك وعاينه، أخذه رعب شديد وخوف عظيم، بحيث إنه حصل له إسهال عظيم أكثر من أربعين مرة في يوم، وكان قبل ذلك لا يتبرز في كل أربعين يوماً إلا مرة واحدة، فانعكس عليه الحال.
وهكذا لما أدخل موسى عليه السلام يده في جيبه واستخرجها، أخرجها وهي كفلقة القمر تتلألأ نوراً يبهر الأبصار، فإذا أعادها إلي جيبه واستخرجها رجعت إلي صفتها الأولى. ومع هذا كله لم ينتفع فرعون ـ لعنة الله عليه ـ بشيء من ذلك، بل استمر على ما هو عليه، وأظهر أن هذا كله سحر، وأراد معارضته بالسحرة، فأرسل يجمعهم من سائر مملكته، ومن هم في رعيته وتحت قهره ودولته، ثم حضوا بعضكم بعضاً على التقدم في هذا المقام؛ لأن فرعون قد وعدهم ومناهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.
{قالوا يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا، فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا، إنما صنعوا كي ساحر، ولا يفلح الساحر حيث أتى} (سورة طه:65ـ69)
لما اصطف السحرة، ووقف موسى وهارون عليهما السلام تجاههم، قالوا له: إما أن تلقي قبلنا، وإما أن نلقي قبلك (قال بل ألقوا) أنتم، وكانوا قد عمدوا إلي حبال وعصى فأودعوها الزئبق وغيره من الآلات التي تضطرب بسببها تلك الحبال والعصي اضطراباً يخيل للرائي أنها تسعى باختيارها، وإنما تتحرك بسبب ذلك، فعند ذلك سحروا أعين الناس واسترهبوهم، وألقوا حبالهم وعصيهم، وهم يقولون:
{بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون} (سورة الشعراء:44)
وذلك أن موسى عليه السلام لما ألقاها، صارت حية عظيمة ذات قوائم، فيما ذكره غير واحد من علماء السلف، وعنق عظيم وشكل هائل مزعج، بحيث إن الناس انحازوا منها وهربوا سراعاً، وتأخروا عن مكانها وأقبلت هي على ما ألقوه من الحبال والعصي، فجعلت تلقفه واحداً واحداً في أسرع ما يكون من الحركة، والناس ينظرون إليها ويتعجبون منها، وأما السحرة فإنهم رأوا ما هالهم وحيرهم في أمرهم واطلعوا على أمر لم يكن في خلدهم ولا بالهم ولا يدخل تحت صناعتهم وأشغالهم، فعند ذلك وهنالك تحققوا بما عندهم من العلم أن هذا ليس بسحر ولا شعوذة، ولا محال ولا خيال، ولا زور ولا بهتان ولا ضلال؛ بل حق لا يقدر عليه إلا الحق؛ الذي ابتعث هذا المؤيد به بالحق، وكشف الله عن قلوبهم غشاوة الغفلة، وأنارها بما خلق فيها من الهدى، وأزاح عنها القساوة، وأنابوا إلي ربهم وخروا له ساجدين، وقالوا جهرة للحاضرين، ولم يخشوا عقوبة ولا بلوى: (آمنا برب هارون وموسى).
قال سعيد بن جبير وعكرمة والقاسم بن أبي بردة والأوزاعي وغيرهم: لما سجد السحرة رأوا منازلهم وقصورهم في الجنة تهيأ لهم، وتزخرف لقدومهم، ولهذا لم يلتفتوا إلي تهويل فرعون وتهديده ووعيده.
وذلك لأن فرعون لما رأى هؤلاء السحرة قد أسلموا وأشهروا ذكر موسى وهارون في الناس على هذه الصفة الجميلة، أفزعه ذلك، ورأى أمراً بهره، وأعمى بصيرته وبصره، وكان فيه كيد ومكر وخداع، وصنعة بليغة في الصد عن سبيل الله، فقال مخاطباً للسحرة بحضرة الناس: (آمنتم له قبل أن آذن لكم) أي: هلا شاورتموني فيما صنعتم من الأمر الفظيع بحضرة رعيتي؟! ثم تهدد وتوعد وأبرق وأرعد، وكذب فأبعد قائلاً: (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر). والمقصود أن فرعون كذب وافترى وكفر غاية الكفر في قوله: (إنه لكبيركم الذي علمكم السحر) وأتى ببهتان يعلمه العالمون بل العالمون في قوله:
{إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون} (سورة الأعراف:123)
وقوله: (لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف) يعني: يقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى وعكسه،
{ولأصلبنكم أجمعين} (سورة الأعراف:124)
أي: ليجعلهم مثلة ونكالاً لئلا يقتدي بهم أحد من رعيته، وأهل ملته، ولهذا قال: (ولأصلبنكم في جذوع النخل) أي: على جذوع النخل، لأنها أعلى وأشهر
{ولتعلمن أينا أشد عذاباً وأبقى} (سورة طه:71)
يعني: في الدنيا.
{قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات} (سورة طه:72)
أي: لن نطيعك ونترك ما وقر في قلوبنا من البينات والدلائل القاطعات (والذي فطرنا) قيل: معطوف، وقيل قسم (فاقض ما أنت قاض) أي: فافعل ما قدرت عليه (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) أي: إنما حكمك علينا في هذه الحياة الدنيا، فإذا انتقلنا منها إلي الدار الآخرة صرنا إلي حكم الذي أسلمنا له واتبعنا رسله،
{إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى} (سورة طه:73)
أي: وثوابه خير مما وعدتنا به من التقريب والترغيب، (وأبقى) أي: وأدوم من هذه الدار الفانية، وفي الآية الأخرى:
{قالوا لا ضير إنا إلي ربنا منقلبون * إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا} (سورة الشعراء:50ـ51)
أي: ما اجترمناه من المآثم والمحارم
{أن كنا أول المؤمنين} (سورة الشعراء: 51)
أي: من القبط، بموسى وهارون عليهما السلام.
والظاهر من هذه السياقات أن فرعون ـ لعنه الله ـ صلبهم وعذبهم رضي الله عنهم قال عبد الله بن عباس وعبيد بن عمير: كانوا من أول النهار سحرة، فصاروا من آخره شهداء بررة!. ويؤيد هذا قولهم:
{ربنا أفرغ علينا صبراً وتوفنا مسلمين} (سورة الأعراف:126)
قال المفسرون وغيرهم من أهل الكتاب: استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلي عيد لهم، فأذن لهم وهو كاره، ولكنهم تجهزوا للخروج وتأهبوا له، وإنما كان في نفس الأمر مكيدة بفرعون وجنوده، ليتخلصوا منهم ويخرجوا عنهم. وأمرهم الله تعالى ـ فيما ذكره أهل الكتاب ـ أن يستعيروا حلياً منهم، فأعاروهم شيئاً كثيراً، فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم، طالبين بلاد الشام، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق، واشتد غضبه عليهم، وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوده ليلحقهم ويمحقهم.
قال الله تعالى:
{وأوحينا إلي موسى أن أسر بعبادي إنكم متبعون * فأرسل فرعون في المدائن حاشرين * إن هؤلاء لشرذمة قليلون * وإنهم لنا لغائظون * وإنا لجميع حاذرون فأخرجناهم * من جنات وعيون * وكنوز ومقام كريم * كذلك وأوروثناها بني إسرائيل * فأتبعوهم مشرقين * فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون * قال كلا، إن معي ربي سيهدين * فأوحينا إلي موسى أن أضرب بعصاك البحر، فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم * وأزلفنا ثم الآخرين * وأنجينا موسى ومن معه أجمعين * ثم أغرقنا الآخرين * إن في ذلك لآية، وما كان أكثرهم مؤمنين * وإن ربك لهو العزيز الرحيم} (سورة الشعراء:52ـ68)
قال علماء التفسير: لما ركب فرعون في جنوده، طالباً بني إسرائيل يقفو أثرهم، كان في جيش كثيف عرمرم ، حتى قيل: كان في خيوله مائة ألف فحل أدهم، وكانت عدة جنوده تزيد على ألف ألف وستمائة ألف. فالله أعلم. والمقصود أن فرعون لحقهم بالجنود، فأدركهم عند شروق الشمس، وتراءى الجمعان ولم يبق ثم ريب ولا لبس، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه، ولم يبق إلا المقاتلة والمجادلة والمحاماة، فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون: (إنا لمدركون) وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلي البحر فليس لهم طريق ولا محيد إلا سلوكه وخوضه، وهذا ما لا يستطيعه أحد ولا يقدر عليه، والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم وهي شاهقة منيفة، وفرعون قد غالقهم وواجههم، وعاينوه في جنوده وديوشه وعدده وعدته، وهم منه في غاية الخوف والذعر، لما قاسوا في سلطانه من الإهانة والمكر.